تمشي سارحة نحو محاضرتها ..
مرت حوالي السنة مذ دخولها الجامعة
وشروعها في تخصصها
الذي بدأ يزحف نحو الإختلاط أكثر فأكثر
..وغدا مشوارها من كليات البنات
في الممر الطويل المؤدي لكليات البنين
أمرا روتينيا محتما...ومؤلما
..وهاجس يترصدها دائما في ذلك الممر..
"ماذا كان سيقول عندما يعلم أني بت أدرس مع رجال ؟.
.هل سيغضب
.يغار ربما !!
يتضايق؟؟.."
وسؤال تعيده على نفسها دائما ..
سؤال يوقعها في حيرة ما بعدها حيرة ..
هل هذا الهاجس هو نفسه الذي تملكها ذلك اليوم؟ .. عندما دخلت مكتب التسجيل
لتقدم اوراقها لتدرس في الجامعة الأمريكية ..
خصوصا وأنه أبدى إمتعاضه عندما علم بالأمر ..
وحاول إثنائها عنها ..
"أكنت أنت من همس في أذني وقتها تراجعي "
قالتها في نفسها ودمعة تلألأت وسط عينيها
كم حاولت إيقاف تلك الهواجس ..
ولكنها كانت دائما ماتجد مسربا لافكارها ..
***
كانت تظن بأنها قد نسيته ..
شفيت من حماااه المتعبة ..
وأنها قادرة على الإستمرار بدونه ..
بدون ذكراه الجميلة..بدون تلك الأيام
الأيام التي توجت سنينها التسعة عشر ...
ولكن ..
هل يعقل أن يكون هو معها دائما؟ ..
حولها ..
وفي كل مكان توجد فيه..
هل يعقل بأن طيفه يسكنها ..
يحوم حولها ..
يحميها من غيره ..
هذا ما استشعرته في أعماقها المشتاقة
هالة غريبة تطوقها ..وتحضنها
وتحولها لشي آخر لا يشبهها
يحولها إلى شيء
بلا مشاعر
بلا نبض
كل ما دخلت كليات البنين
فجوة تخلق نفسها ..تمحي إحساسها
ومشاعرها ..
لا يستهويها أحد منهم
أولئك معشر الرجال ..
بدوا دائما ناقصين أمامه
بدوا غير مثيرين لإهتمامها
تمشي في المبنى ..
ونظراتها الفارغة
تنهي وجودهم ...
وكأنهم كراسي بلا روح
وإن ابتسم لها أحدهم ..صدت وجهها عنه
عنفته بنظراتها
حتى يكاد أن يوقع عهدا مع نفسه
ألا يتجرأ وينظر لما هو ليس بملكه ..
جمود ..
وجلافة
يتلبسانها في ذلك المبنى المشؤوم
وكأن طيفه الذي ألف أعماقها
يقول "أنت لي ..ملكي ..أنا فقط"
تشعر بأن جوفها يفتقد إلى مضغته ..
تلك القطعة التي سرقها ..مكانها خاو
من يعيد مضغتها حتى تستأنفها المشاعر من جديد..
***
تجلس مع صديقاتها ..
فيحادثنها عن فلان الذي ابتسم لفلانه
وأخرى تضحك وتسرد بخجل
مواقفها مع فارسها المتوقع الذي
يترصدها في المبنى ..
تستمع لأحاديثهم ..تشاركهم الضحك ..
وأحيانا ينسجن القصص الوردية ..
تستمع لحديثهم ..وخواطر تمر في جوفها
"ليتني أستطيع أن أرسم تلك القصص..مثلكم..ليتني"
تبتعد عنهم ..لتنتحبت بصمت ..
"لماذا ..لماذا يا قلبي..لماذا لا تنبض ..
لماذا لا يستهويك أحد..فلتمض قدما ..
وإترك عنك ماضيا تبرا منا "
تستغيث دوما ..وقلبها معلنا عصيانه ..
ولا يحرك ساكنا ..
تسترجع أيامها قبل أن تلتقيه ..
تذكر كيف كانت تنسج غراميات
عندما ترى شخصا يعجبها ..
تختلق مواقفا كما قيس وليلى
ولكن لماذا يستعصي كل هذا عليها الآن ..
بات الأمر أصعب ..وأكثر إيلاما من ذي قبل
وإن حاولت تخيل موقف ما ..
شعورها باغتيال مشاعرها يقتلها
وهي في غيبوبة أحلامها ..يوكزنها الفتيات
ويمازحنها بإيجاد نصفها الثاني
"فلان أتذكرينه..إنه يناسبك تماما..الطول ..
تقاسيم الوجه ..مثاليان لبعضكما"
تبتسم وتتبع ابتسامتها بتعبير استنكاري ..
هذا أقصى ما تستطيع فعله ..
هل تفكر جديا به!!..
هل تكتب سيناريو يضم قصتها مع ذاك الفلان
يملأ صدى أنينها أرجاء كيانها المتعب
"ليتني أستطيع ..رباااه ..أريد أن
أحب ..
أعجب ..
أكره ..
أبتسم ..
أغار..لماذا لا أستطيع ..
ولاء غريب نحوه يحتويني..يمنعني
ويقيدني من التفكير في غيره"
***
حتى اليوم ..حصل لها ذلك الموقف ..
الذي لوث جوها طوال اليوم
نزلت من السيارة.. تحمل أشياها الكثيرة
..مشت فإذا بالهواء يعبث بشيلتها
وذلك الدفتر ينزلق من يدها
حتى أوقعت كل شيء..
ففزع لها أحد الطلبة ..ولملم ما وقع منها شكرته ..ومضي ..
وقتها ..تمنت لو إنشقت الأرض وابتلعتها
ظلت توسوس كثيرا ..لملم ذلك الرجل أشياءها
ولكن من يلملم قلبها ...قلبها الذي وجل
أكلتها الهواجس ..
"هل رآني أحد !!"
كان موقفا عاديا
"إذا لما هذا الخوف ..بالله عليك يافتاة كفي عن وساوسك "
هكذا عنفت نفسها ..لماذا كان هذا الخوف الذي سيطر عليها
كان موقفا عاديا قد يحدث لأي كان ..ليس بالشيء المهم
ولكن لماذا هذا القلق المؤلم ..
بدا لها ذلك اليوم كارثيا ..
وكأن تعويذة ما بيد ذلك الرجل ..بعثرت أفكارها
تأخرت عن محاضرتها الأولى ..
ومحاضرتها الثانية مع ذلك الأستاذ البغيض بدت كالدهر
لا تريد أن تنتهي ..
لم يقف الأمر على هذا ..
حتى غدائها الذي طلبته من المطعم تأخر ساعة
وهي تكاد تفقد صبرها
وتقذف تلك النادلة بهاتفها
حتى تسرع بإحضار الغداء
كانت متوترة إلى حد العنف ..
ذهبت لتصور بعض الأوراق
..حتى هذا الأمر لم يسر وفق هواها
فخرجت الأوراق سوداء ..كلون يومهاا ...
لا شي يمشي كما تريد ..
أرادت أن تحادث أحدا ..
تبوح بما يختلج في أعماقها ..
وهاهي متجهة إلى ذلك الممر المسكون بأطيافه
لحضور محاضرتها ..دمعت عيناها ..
متذكرة موقف اليوم
لماذا الشعور بالذنب هذا الذي يقتلها ..
صادفت صديقاتها
"يبدو أن اليوم ملوث بالكآبة "..
هذا ما أسرته في نفسها
وهي ترى وجوه صديقاتها المتجهمة
أفضت لصديقتها ما حدث ..
ولم تكمل حديثها حتى بدأت دموعها تتحرر..
بكت ..بكت كثيرا ..حتى نزفت ألما..
أيعقل أن هذا الإحساس الذي يأكل أعماقها
هو الشعور بأنها خانت مشاعرها ..
انتهكت حرمة قلبها ..فآذت حبها الطاهر
شهقت وتلفظت اشتياقا لذلك الذي هجر قلبها..
وبقيت أطلاله تغني أشجانا تناديه
...تمنت يومها لو أنها لم تختر هذا التخصص ..
تمنت لو لم تكتب لها الأقدار أن تدرس مع شباب
حاولت صديقتها مواساتها
..وتهوين الأمر عليها ...
ولكن صديقتها لا تدر بتلك الفوضى التي في أعماقها ..
لاتدر بأن مشاعرها أعلنت حالة الطوارىء ..
يدافعون عن ذاك الحب الهش
خوفا عليه من التهشم ..
أراد لحظة صفاء لوحدها ..فتركتهم
..وجلست بعيدا ..
***
بعيدا عن ضجيج الحياة ..
ابتعد ..أنزوي ..أجلس في ركن أحلامي ..
أتصفح مابقي مني وما أفلت ..
تمضي اللحظات سراعا..
ولا جديد في حياتي يمحيك ..
يا طفلا ساكنا فيني..
تبحث عمن يرعاك فيني ..
تبكي إهمالي ..
وتنادي حنان جف فيضه من ينابيعي ..
بعد أن بخرته قسوة اشباح
تعدو وتقفز إلى أراضي في حين غفلة مني
..تسلبني حبا ومشاعرا وقليل من حنين دفين ..
تناسيتك ياطفلي ..
وها أنا أمضي ..
وتدور بي أيامي في دهاليز الغياب ..
أستشعر وهنا ينبت في شراييني..
يثمر مللا من مشاعر ماعادت لصاحبها تريد ..
كلما إقتربت منه تبقى المسافات متعبة طويلة..
وتزيد في حناياي الألم ..
وتصيح فيني تريد أن أصحو من سباتي الكئيب ..
ها أنا صحوت..
وأشعلت شموعي التي أطفئتها رياح رحيلك..
فاليوم أمضي ..
ولكن..
وفاء غريب نحوك يحتويني ..
لا أستطيع أن أسمح لأحد للدخول فيني ..
سجنت مشاعري ..وأحاسيسي ..
وأوصدت على قلبي أبوابه المكتئبة ..
ابتسامتي التي لطالما أحببتها ..
تأبى أن تري رونقها لأحد..
تخشى أن يعجب بها شخصك في روح غيرك
..فتعيد الرواية نفسها ..ويدار شريط جرحك من جديد ..